الفاشر المنكوبة: شهادات الناجين من الإعدامات الميدانية من قبل قوات الدعم السريع

 

مقدمة: مدينة تتحول إلى مقبرة جماعية



في مشهد يُعيد إلى الأذهان أسوأ فصول التطهير العرقي في القرن الحادي والعشرين، تحوّلت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور بالسودان، إلى ساحة إعدامات ميدانية وعمليات تصفية منهجية بعد سيطرة قوات "الدعم السريع" عليها. هذه القوات، التي تُوصف بالميليشيا المسلحة، نفذت مجازر واسعة بحق المدنيين العزل، فيما يعيش عشرات الآلاف من النازحين أوضاعاً إنسانية كارثية في محلية طويلة المجاورة.

شهادات الناجين: رشيدة صالح تروي لحظات الموت

رشيدة صالح، سيدة في العقد الرابع من عمرها، كانت من بين القلائل الذين كتبت لهم النجاة من مجازر الفاشر. تروي لـ"الميادين نت" تفاصيل مروّعة عن رحلة نزوحها القاسية سيراً على الأقدام، شاهدت خلالها "شلالات الدماء" وباتت على حواف الموت قبل أن تنقذها العناية الإلهية.



"كان مُسلّحو قوات الدعم السريع يطلقون علينا الرصاص الحي أثناء هروبنا، ويطالبون بالركض إذا كنا لا نريد الموت، هناك مرضى وكبار في السن، لم يتمكّنوا من الجري، فأصابتهم النيران وماتوا.. لقد عشنا لحظات مرعبة."

تحت وابل من الرصاص، تمكنت رشيدة من الخروج من الفاشر يوم الأحد الماضي مع اندلاع الهجمات، وظلّت تسير بقدميها هي وطفلاها لمدة يومين من دون طعام أو مياه شرب. ومع ذلك، كان المسلحون يوقفونهم في نقاط التفتيش، ويعرضونهم إلى شتى أنواع الإذلال ونهب ما يحملونه بما في ذلك الهواتف النقالة.

بعد رحلة قاسية، وصلت رشيدة صالح إلى محلية طويلة التي تبعد عن الفاشر نحو 70 كيلومتراً، بصحبة طفليها اليتيمين، إذ قتل زوجها في وقت سابق من اندلاع الحرب. وهي تقيم حالياً في العراء، تُمنّي نفسها بخيمة تأوي إليها، وغطاء وملابس، وقبل ذلك الطعام ومياه الشرب، حتى تواصل ما تبقى من حياتها.

السقوط والاحتلال: تحول الفاشر إلى مدينة أشباح

في صباح الأحد الماضي، استيقظ سكان مدينة الفاشر على وقع هجمات عنيفة شنّتها قوات "الدعم السريع". وبعد لحظات، تمكنت هذه القوات من السيطرة على مقر الفرقة السادسة مشاة، وهي آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور. مع هذا السقوط، بدأ السكان في النزوح بشكل جماعي نحو محلية طويلة، وهي منطقة آمنة نسبياً تخضع إلى سيطرة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.

الأرقام المفزعة

وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان الثلاثاء:

  • 26,000 شخص غادروا الفاشر في الأيام الأخيرة

  • اضطر المدنيون للفرار من القتال وهم في حالة من الرعب

  • تعرض النازحون للابتزاز، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز، والنهب، والمضايقة

  • وثقت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء محاولة الوصول إلى برّ الأمان

الإعدامات الميدانية: التطهير العرقي على مرأى من العالم

خلال عمليات فرارهم، احتجزت قوات "الدعم السريع" المئات من المواطنين، ونفّذت بحقهم إعدامات ميدانية وتصفيات على أساس عرقي. وقد وثّقت هذه الجرائم عبر فيديوهات منشورة، وأكدتها جهات حقوقية دولية، من بينها مفوّضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

موقف الأمم المتحدة

أعلن مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان صحفي أمس الثلاثاء، تلقيه "تقارير متعددة ومثيرة للقلق تفيد بأن قوات الدعم السريع ترتكب فظائع، بما في ذلك إعدامات بإجراءات موجزة، بعد سيطرتها على أجزاء كبيرة من مدينة الفاشر المحاصرة، شمال دارفور، ومدينة بارا في ولاية شمال كردفان في الأيام الأخيرة."

الأزمة الإنسانية في طويلة: كارثة تتفاقم

يواجه النازحون الذين وصلوا من الفاشر إلى طويلة أوضاعاً إنسانية سيئة، فهم يقيمون في العراء حالياً بلا مأوى وبلا طعام، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإغاثتهم، وفق ما يقوله المتحدث الرسمي لمنسقية النازحين واللاجئين في دارفور آدم رجال لـ"الميادين نت".



"كانت منطقة طويلة تؤوي آلاف النازحين حتى قبل النزوح الأخير من الفاشر، ما أحدث تكدساً كبيراً، في ظل إمكانيات محدودة لهذه البلدة. النازحون الذين وصلوا مؤخراً بينهم نساء حوامل وأطفال وكبار في السن، ومن بينهم مصابون بجروح وإعياء بسبب الجوع والعطش بعد المسافات الطويلة التي قطعوها، وهم بحاجة إلى رعاية طبية وإغاثة بصورة عاجلة."

ويضيف رجال: "الوضع في طويلة أصبح كارثياً مع تزايد تدفّق النازحين، نناشد المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بالتحرك العاجل لإنقاذ حياة آلاف المدنيين الفارّين من جحيم الحرب."

تصفية المرضى: الجريمة التي هزت الضمير الإنساني



في تطور صادم، أعلنت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر في تعميم صحفي اليوم الأربعاء، أن قوات "الدعم السريع" صفّت جميع الجرحى والمصابين داخل المستشفى السعودي وعنابر درجة أولى والجامعة والداخلية في المدينة المنكوبة، "بطريقة بشعة، قُتلوا وهم بين الحياة والموت، في زمن لم يعد فيه للإنسانية مكان".

"لم يتبقّ للجرحى فرصة للنجاة، أولئك الذين كانوا ينتظرون يداً تمتد إليهم، غابت عنهم الرحمة قبل أن يصل إليهم الدواء، والمستشفيات سقطت في صمت مرعب لا يُسمع فيها سوى أنين انقطع فجأة."

كما أكدت لجنة أطباء السودان تصفية قوات "الدعم السريع" جميع المرضى والمصابين في المراكز الطبية في الفاشر.

الأدلة المرئية

نشر مسلحو قوات "الدعم السريع" اليوم الأربعاء، مقطع فيديو يظهرهم يقومون بقتل المرضى ومرافقيهم داخل مستشفى السلاح الطبي بالفاشر، ومن حولهم المئات من جثامين الموتى.

شهادة صحفية: الفاشر بين الأمس واليوم

حواء داؤود، صحفية من الفاشر تقيم خارجها حالياً، تروي حجم المأساة: "أكثر ما يؤرق أهل الفاشر في هذه الفاجعة، هو وجود آلاف المفقودين لا نعرف مصيرهم، أحياء كانوا أم أمواتاً، في ظل حالة العنف المنتشرة في المدينة لثلاثة أيام متتالية. بعض المفقودين وجدنا هواتفهم بحوزة مسلحي الدعم السريع عندما اتصلنا بهم، ما زاد قلقنا."

وتضيف: "لم تتبق حياة في الفاشر، لقد هرب الجميع نحو طويلة، ومن لم يتمكن من المغادرة تم قتله، حيث استباح المسلحون المدينة بشكل كامل، وبعضهم يمتطون الجمال، لقد قتلوا حتى المرضى داخل المستشفيات بلا رحمة."

وتشير إلى أن النازحين الذين وصلوا إلى طويلة يعيشون أوضاعاً إنسانية كارثية، فهم بحاجة ملحّة إلى الغذاء والدواء، إلى جانب دعم نفسي عاجل، لتخفيف الصدمات التي تعرضوا لها.

المأساة المزدوجة: عالقون في طريق النزوح

محي الدين شوقار، متطوع غادر الفاشر قبل أيام قليلة من سقوطها في يد قوات "الدعم السريع"، يحذر من مأساة إنسانية أخرى: "الأولوية الآن يجب أن تكون لمئات النازحين من الفاشر الذين تقطعت بهم السبل في الطريق إلى طويلة، وهم عالقون في العراء بلا طعام ولا مياه للشرب، وحياتهم مهددة إلى حد بعيد."

ويذكر أنه تلقّى العديد من الاتصالات من نازحين عالقين في الطريق وليس بحوزتهم أي شيء يعينهم على الوصول إلى محلية طويلة، لافتاً إلى أن بين العالقين مرضى ومصابين لا يستطيعون الحركة، ما يستوجب المبادرة بجمع تبرعات عاجلة وإرسالها لهم عبر التطبيقات المصرفية، حتى يتمكنوا من الوصول إلى طويلة.

ردود الفعل الدولية: إدانات ودعوات للتحرك

حصدت الانتهاكات بحق المدنيين في الفاشر إدانات محلية ودولية واسعة.

منظمة "هيومان رايتس ووتش"

قالت المنظمة في منشور على صفحتها الرسمية في فيسبوك الثلاثاء: "وابلاً من الفيديوهات تُظهر قوات الدعم السريع في السودان وهي تنفذ إعدامات ميدانية وتهاجم مدنيين مفترضين كانوا يفرون من الفاشر، بعد استيلائها على المدينة."

وقال محمد عثمان، باحث السودان في هيومان رايتس ووتش: "صور المدنيين المستهدفين، بمن فيهم الفارّون من الفاشر، تظهر حقيقة رهيبة: تشعر قوات الدعم السريع وكأنها حرة في ارتكاب الفظائع من دون عواقب تُذكر. على العالم التحرك لحماية المدنيين من المزيد من الجرائم الشنيعة."

الاتحاد الأوروبي

قال الاتحاد الأوروبي في بيان صحفي: "استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر، يُمثل نقطة تحول خطيرة في الحرب، ويُهدد بتفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلاً. ويُبرز استهداف المدنيين على أساس عرقي وحشية قوات الدعم السريع"، داعياً جميع الأطراف المتحاربة في البلاد إلى التهدئة، والعودة إلى طاولة التفاوض.

الخاتمة: نداء استغاثة إلى العالم

الفاشر، التي كانت يوماً ما عاصمة لإقليم دارفور ومركزاً للحضارة والتجارة، تتحول اليوم إلى رمز للفظاعة الإنسانية. شهادات الناجين، والأدلة المرئية، والتقارير الدولية، كلها تشير إلى جريمة ضد الإنسانية تتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيبقى العالم متفرجاً على إبادة جماعية جديدة في القرن الحادي والعشرين؟ أم أن الضمير الإنساني سيستيقظ قبل فوات الأوان؟


الكلمات المفتاحية: الفاشر، دارفور، السودان، قوات الدعم السريع، إعدامات ميدانية، تصفية عرقية، انتهاكات حقوق الإنسان، أزمة إنسانية، نازحون، مجازر، شمال دارفور، طويلة، الأمم المتحدة، هيومان رايتس ووتش.

المصدر: مسلم عبدالكاظم فيصل
الكاتب: مرتضى أحمد
تاريخ النشر: 29 تشرين الأول


المبرمج العراقي مسلم عبدالكاظم فيصل
بواسطة : المبرمج العراقي مسلم عبدالكاظم فيصل
انا مسلم عبد الكاظم فيصل منصور طالب سادس علمي في مدرسة اعدادية الجزائر العراق ذي قار الجبايش كنت في مدرسة اهلية ثانوية نور العلم الاهلية انا مبرمج ومطور وصاحب عدة مواقع
Comments